[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
أحمد الله تبارك وتعالى ،
وأصلي وأسلم على رسوله وخيرته من خلقه ،
ومصطفاه من رسله سيدنا محمد رسول الله ،
بعثه بالحق بشيراً ونذيراً ، فبلغ الرسالة ، وأَدّى الأمانة ،
ونصح الأمة ، وجعلنا على المحجة البيضاء ،
ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ،
صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ،
وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه أجمعين والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
أيها الأخـــوة :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] هذه كلمات في أدب الحوار مُشتمِلَةٌ العناصر التالية :
تعريف الحوار وغايته ، ثم تمهيد في وقوع الخلاف في الرأي بين الناس ، ثم بيان لمُجمل أصول الحوار ومبادئه ، ثم بسط لآدابه وأخلاقياته .سائله المولى العلي القدير التسديد والقبول .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] تعــــريف[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الحوار :
من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام .
الجدال : من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ؛
وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم
بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ،
ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها .
والحوار والجدال ذو دلالة واحدة ،
وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى :
{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ
فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1) ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس :
مناقشة بين طرفين أو أطراف ،
يُقصد بها تصحيح كلامٍ ،
وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ،
ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
وقد يكون من الوسائل في ذلك :
الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة
من المقدّمات والمُسلَّمات ،
مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام
وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] غاية الحــــوار[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الغاية من الحوار إقامةُ الحجة ،
ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي .
فهو تعاون من
المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ،
ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ،
والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق .
يقول الحافظ الذهبي :
( إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ،
وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ ) .هذه هي الغاية الأصلية ، وهي جليَّة بيِّنة ،
وثَمَّت غايات وأهداف فرعية أو مُمهِّدة لهذا الغاية منها
:- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف .
- التعرُّف على وجهات نظر الطرف أو
الأطراف الأخرى ،
وهو هدف تمهيدي هام .
- البحث والتنقيب ،
من أجل الاستقصاء والاستقراء في
تنويع الرُّؤى والتصورات المتاحة ،
من أجل الوصول إلى
نتائج أفضل وأمْكَنَ ،
ولو في حوارات تالية .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وقوع الخلاف بين الناس[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الخلاف واقع بين الناس في مختلف الأعصار والأمصار ،
وهو سنَّة الله في خلقه ،
فهم
مختلفون في ألوانهم وألسنتهم
وطباعهم ومُدركاتهم ومعارفهم وعقولهم ،
وكل ذلك آية من آيات الله ،
نبَّه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ
أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ } (الروم:22)
وهذا الاختلاف الظاهريّ دالُّ على الاختلاف في الآراء
والاتجاهات والأعراض .
وكتاب الله العزيز يقرر هذا في غير ما آية ؛ مثل قوله سبحانه :
{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود:119) .
يقول الفخر الرازي : ( والمراد اختلاف الناس في
الأديان والأخلاق والأفعال ) .ومن معنى الآية :
لو شاء الله جعل الناس على دين واحد
بمقتضى الغريزة والفطرة ..
لا رأي لهم فيه ولا اختيار ..
وإِذَنْ لما كانوا هذا النوع من الخلق المُسمّى البشر ؛
بل كانوا في حيلتهم الاجتماعية كالنحل أو كالنمل ،
ولكانوا في الرّوح كالملائكة ؛
مفطورين على اعتقاد الحقِّ والطاعة ؛
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،
لا يقع بينهم اختلاف ولا تنازع .
ولكنّ الله خلقهم بمقتضى حكمته كاسبين للعلم لا مُلْهَمين .
عاملين بالاختيار ،
وترجيح بعض المُمْكنات المتعارضات على بعض ؛
لا مجبورين ولا مضطرين .
وجعلهم متفاوتين في الاستعداد
وكسب العلم واختلاف الاختيار .
أما قوله تعالى
:
{ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود:119) .فلتعلموا أن اللام ليست للغاية ؛
فليس المُراد أنه سبحانه خلقهم ليختلفوا ،
إذ من المعلوم أنه خلقهم لعبادته وطاعته .
وإنما
اللام للعاقبة والصَّيْرورة ؛
أي لثمرة الاختلاف خلقهم ،
وثمرته أن يكونوا فريقين :
فريقاً في الجنة ، وفريقاً في السعير .
وقدّ
تُحْملُ على التعليل من وجه آخر ،
أي خلقهم ليستعدَّ كلٌ منهم لشأنٍ وعمل ،
ويختار بطبعه أمراً وصنعة ، مما يَسْتَتِبُّ به
نظام العالم ويستقيم به أمر المعاش ،
فالناس محامل لأمر الله ، ويتخذ بعضهم يعضاً سخرياً .
خلقوا مستعدين للاختلاف والتفرق في علومهم
ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم ،
وما يتبع ذلك من إراداتهم واختيارهم في أعمالهم ،
ومن ذلك الإيمان ،
والطاعة والمعصية .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وضوح الحق وجلاؤه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وعلى الرغم من
حقيقة وجود هذا التَّبايُن بين الناس ؛
في عقولهم ومُدركاتهم وقابليتهم للاختلاف ،
إلا أن
الله وضع على الحقِّ معالمَ ،
وجعل على الصراط المستقيم منائرَ ..
وعليه حُمِلَ الاستثناء
في الآية في قوله : { إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } (هود:119) .
وهو المنصوص عليه في الآية الأخرى في قوله : { فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ } (البقرة:213) .وذلك أن النفوس إذا تجرَّدت من أهوائها ،
وجدَّت في تَلَمُّس الحقِّ فإنها مَهْديَّةٌ إليه ؛
بل إنّ في فطرتها ما
يهديها ،
وتأمَّل ذلك في قوله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } (الروم:30) .
ومنه الحديث النبوي : (( ما من
مولود إلا يُولدُ على الفِطْرة ، فأبواه يُهوّدانه ،
ويُنَصِّرانه ، ويُمجِّسانه ، كما تنتج
البهيمة بهيمة جمعاء ،
هل
تُحِسّون فيها من جَدْعاء حتى أنتم تجدعونها ؟ )) .
ويُوضح ذلك ، أن أصول الدين ،
وأمَّهات الفضائل ،
وأمَّهات الرذائل ، مما يتفق العالم الرشيد العاقل
على حُسْن محموده وحمده ،
والاعتراف بعظيم نفعه ، وتقبيح سيِّئه وذمِّه .
كل ذلك في عبارات جليَّة واضحة ،
ونصوصِ بينِّة لا تقبل صرفاً ولا تأويلاً ولا
جدلاً ولا مراءاً .
وجعلها أمّ الكتاب التي يدور عليها وحولها
كل ما جاء فيه من أحكام ،
ولم يُعذَرْ أحد في الخروج عليها ، وحَذَّر من التلاعب بها ،
وتطويعها للأهواء والشهوات والشبهات
بتعسف التأويلات والمُسوِّغات ،
مما سنذكره كأصل من
أصول الحوار ،
ورفع الحرج عنهم ،
بل جعل للمخطيء أجراً وللمصيب أجرين
تشجيعاً للنظر والتأمل ،
وتَلَمُّس الحقّ واستجلاء المصالح الراجحة
للأفراد والجماعات .
ولربك في ذلك
الحكمة البالغة والمشيئة النافذة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مواطن الاتفاق[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إنّ بِدْءَ الحديث
والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة
وفُشُوِّ روح التفاهم . ويصير به الحوار هادئاً وهادفاً .
الحديث عن نقاط الاتفاق وتقريرها يفتح آفاقاً
من
التلاقي والقبول والإقبال ،
مما يقلّل الجفوة ويردم الهُوَّة ويجعل
فرص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب ،
كما يجعل احتمالات
التنازع أقل وأبعد .
والحال ينعكس لو استفتح المُتحاورون بنقاط الخلاف
وموارد النزاع ، فلذلك يجعل ميدان الحوار ضيقاً وأمده قصيراً ،
ومن ثم يقود إلى تغير القلوب وتشويش الخواطر ،
ويحمل كل طرف على التحفُّز في الرد على صاحبه
مُتتبِّعاً لثغراته وزَلاته ،
ومن ثم ينبري لإبرازها وتضخيمها ،
ومن ثم
يتنافسون في الغلبة أكثر مما يتنافسون في تحقيق الهدف .
ومما قاله بعض المُتمرّسين في هذا الشأن :دَعْ صاحبك في الطرف الآخر يوافق ويجيب بـ (
نعم ) ،
وحِلْ ما استطعت بينه وبين (
لا ) ؛
لأن كلمة (
لا ) عقبة كؤود يصعب اقتحامها وتجاوزها ،
فمتى قال صاحبك :
(
لا ) ؛ أوجَبَتْ عليه كبرياؤه أن يظلّ مناصراً لنفسه .
إن التلفظ بـ (
لا ) ليس تفوُّها مجرداً بهذين الحرفين ،
ولكنه تَحفُّز لكيان الإنسان بأعصابه وعضلاته وغدده ،
إنه اندفاع بقوة نحو الرفض ، أما حروف (
نعم ) فكلمة سهلة رقيقة
رفيقة لا تكلف أي نشاط جسماني ( 5 ) .
ويُعين على هذا المسلك ويقود إليه ؛
إشعارك
مُحدثَّك بمشاركتك له في بعض قناعاته ؛
والتصريح بالإعجاب بأفكاره الصحيحة وأدلته الجيدة
ومعلوماته
المفيدة ،
وإعلان الرضا والتسليم بها .
وهذا كما سبق يفتح القلوب ويُقارب الآراء ،
وتسود معه روح الموضوعية والتجرد .
وقد قال علماؤنا : إن أكثر الجهل إنما يقع في
النفي ؛
الذي هو الجحود والتكذيب ؛ لا في الإثبات ،
لأن إحاطة الإنسان بما يُثْبتُه أيسر من إحاطته بما ينفيه
؛ لذا فإن أكثر الخلاف الذي يُورث الهوى نابع ؛
من أن كل واحد من المختلفين مصيب فيما يُثْبته أو في بعضه ،
مخطيء في نفي ما عليه
الآخر .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أصول الحوار[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل الأول :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
سلوك الطرق العلمية والتزامها ، ومن هذه الطرق :
1- تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للدعوى .
2- صحة تقديم النقل في الأمور المنقولة .
وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة الحوارية المشهورة :
( إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدَّعيّاً فالدليل ) .
وفي التنزيل جاء قوله سبحانه :
{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
وفي أكثر من سورة :البقرة :111 ، والنمل 64 .
{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } (الانبياء:24) .
{ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (آل عمران:93) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل الثاني :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض ؛ فالمتناقض ساقط بداهة .
ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من :
1- وصف فرعون لموسى عليه السلام
بقوله :
{ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } (الذريات:39) .
وهو وصف قاله الكفار – لكثير من الأنبياء بما فيهم كفار الجاهلية –
لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذان الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان ،
لأن الشأن في الساحر العقل والفطنة والذكاء ،
أما المجنون فلا عقل معه البته ،
وهذا منهم تهافت وتناقض بيّن .
2- نعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم
بأنها سحر مستمر ،
كما في قوله تعالى : { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (القمر:2) .
وهو تناقض ؛ فالسحر لا يكون مستمراً ، والمستمر لا يكون سحراً .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل الثالث :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ألا يكون الدليل هو عين الدعوى ،
لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلاً ،
ولكنه اعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى .
وعند بعض المُحاورين من البراعة في تزويق الألفاظ
وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلاً .
وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ،
وهذا تحايل في أصول لإطالة النقاش من غير فائدة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل الرابع :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة .
وهذه المُسَلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها ؛
أنها عقلية بحتة لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين ؛
كحُسْنِ الصدق ، وقُبحِ الكذب ، وشُكر المُحسن ، ومعاقبة المُذنب .
أو تكون مُسَلَّمات دينية لا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك .
وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات ، والانطلاق منها يتحدد مُريد
الحق ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة .
ففي الإسلام الإيمان بربوبية الله وعبوديَّته ،
واتَّصافه بصفات الكمال ، وتنزيهه عن صفات النقص ،
ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم كلام الله ،
والحكم بما أنزل الله ، وحجاب المرأة ، وتعدد الزوجات ، وحرمة الربا ،
والخمر ، والزنا ؛ كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين ،
وإثباتها شرعاً أمر مفروغ منه .
إذا كان الأمر كذلك ؛
فلا يجوز أن تكون هذه محل حوار أو نقاش مع مؤمن بالإسلام لأنها محسومة
فقضية الحكم بما أنزل الله منصوص عليها بمثل :
{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... }
(النساء:65) .
{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
(المائدة:45) .
وحجاب المرأة محسوم بجملة نصوص :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ } (الأحزاب:59) .
وقد يسوغ النقاش في فرعيات من الحجاب ؛
كمسألة كشف الوجه ، فهي محل اجتهاد ؛
أما أصل الحجاب فليس كذلك .
الربا محسوم ؛ وقد يجري النقاش والحوار في بعض صوره وتفريعاته .
ومن هنا فلا يمكن لمسلم أن يقف على مائدة حوار مع شيوعي
أو ملحد في مثل هذه القضايا ؛ لأن النقاش معه لا يبتدئ من هنا ،
لأن هذه القضايا ليست عنده مُسَلَّمة ،
ولكن يكون النقاش معه في أصل الديانة ؛ في ربوبيَّة الله ،
وعبوديَّة ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ،
وصِدْق القرآن الكريم وإعجازه .
ولهذا فإننا نقول إن من الخطأ –
غير المقصود – عند بعض المثقفين والكاتبين إثارة هذه القضايا ،
أعني : تطبيق الشريعة – الحجاب – تعدد الزوجات –
وأمثالها في وسائل الإعلام ،
من صحافة وإذاعة على شكل مقالات أو ندوات بقصد إثباتها أو صلاحيتها .
أما إذا كان المقصود : النظر في حِكَمِها وأسرارها
وليس في صلاحيتها وملاءمتها فهذا لا حرج فيه ،
إذْ :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }(الأحزاب:36)
وأخيراً فينبني على هذا الأصل ؛
أن الإصرار على إنكار المُسلَّمات والثوابت مكابرة قبيحة ،
ومجاراة منحرفة عن أصول الحوار والمناظرة ،
وليس ذلك شأن طالبي الحق .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل الخامس :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
التجرُّد ، وقصد الحق ، والبعد عن التعصب ، والالتزام بآداب الحوار :
إن إتباع الحق ، والسعي للوصول إليه ،
والحرص على الالتزام ؛
وهو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم لا عوج فيه ولا التواء ،
أو هوى الجمهور ، أو الأتْباع .. والعاقل – فضلاً عن المسلم –
الصادق طالبٌ حقٍّ ، باحثٌ عن الحقيقة ،
ينشد الصواب ويتجنب الخطأ .
يقول الغزاليّ أبو حامد :
( التعاون على طلب الحق من الدّين ،
ولكن له شروط وعلامات ؛
منها أن يكون في طلب الحق كناشد ضالّة ،
لا يفرق بين أن تظهر الضالّة على يده أو على يد معاونه .
ويرى رفيقه معيناً لا خصماً . ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له )
.. الإحياء ج1 .
ومن مقولات الإمام الشافعي المحفوظة :
( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ،
وتكون عليه رعاية الله وحفظه .
وما ناظرني فبالَيْتُ ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني ) .
وفي ذمّ التعصب ولو كان للحق ،
يقول الغزالي :
( إن التعصّب من آفات علماء السوء ،
فإنهم يُبالغون في التعصّب للحقّ ،
وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار ،
فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة ،
وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل ،
ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه .
ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة ،
لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه ،
ولكن لمّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع ،
ولا يستميل الأتْباع مثلُ التعصّب
واللعن والتّهم للخصوم ، اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم ) .
والمقصود من كل ذلك أن يكون الحوار بريئاً من التعصّب خالصاً لطلب الحق ،
خالياً من العنف والانفعال ، بعيداً عن المشاحنات الأنانية
والمغالطات البيانيّة ، مما يفسد القلوب ،
ويهيج النفوس ، ويُولد النَّفرة ، ويُوغر الصدور ، وينتهي إلى القطيعة .
وهذا الموضوع سوف يزداد بسطاً حين الحديث عن آداب الحوار إن شاء الله .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل السادس :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
أهلية المحاور :
إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه ،
فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه
كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً ،
ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف الحق .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يجيد الدفاع عن الحق .
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يدرك مسالك الباطل .
إذن ،
فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار صحي صحيح
يؤتي ثماراً يانعة ونتائج طيبة .
والذي يجمع لك كل ذلك : ( العلم ) ؛
فلا بد من التأهيل العلمي للمُحاور ،
ويقصد بذلك التأهيل العلمي المختص .
إن الجاهل بالشيء ليس كفؤاً للعالم به ،
ومن لا يعلم لا يجوز أن يجادل من يعلم ،
وقد قرر هذه الحقيقة إبراهيم عليه السلام في محاجَّته لأبيه
حين قال :{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ
يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}(مريم:43).
وإن من البلاء ؛
أن يقوم غير مختص ليعترض على مختص ؛
فيُخَطِّئه ويُغَلِّطه .
وإن حق من لا يعلم أن يسأل ويتفهم ،
لا أن يعترض ويجادل بغير علم ،
وقد قال موسى عليه السلام للعبد الصالح :
{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً }
(الكهف:66) .
فالمستحسن من غير المختص ؛
أن يسأل ويستفسر ،
ويفكر ويتعلم ويتتلمذ ويقف موقف موسى مع العبد الصالح .
وكثير من الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين ،
ولقد قال الشافعي رحمه الله :
( ما جادلت عالماً إلا وغلبته ،
وما جادلني جاهل إلا غلبني ! ) .
وهذا التهكم من الشافعي رحمه الله يشير إلى الجدال العقيم ؛
الذي يجري بين غير المتكافئين .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل السابع :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
قطعية النتائج ونسبيَّتها :
من المهم في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبيُّ
الدلالة على الصواب أو الخطأ ،
والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام
فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى .
وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة
( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب ) .
وبناء عليه ؛
فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي
أحد الطرفين إلى قول الطرف الآخر .
فإن تحقق هذا واتفقنا على رأي واحد فنعم المقصود ،
وهو منتهى الغاية . وإن لم يكن فالحوار ناجح .
إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كلٍ من منهجيهما ؛
يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخلاف السائغ .
وما تقدم من حديث عن غاية الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً .
وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله
: ( وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في مسائل الاجتهادية ،
ولا يكلفه أن يوافقه فهمه ) ا هـ . من المغني .
ولكن يكون الحوار فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة ،
وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطئة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأصل الثامن :[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون ،
والالتزام الجادّ بها ، وبما يترتب عليها .
وإذا لم يتحقق هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث
الذي يتنزه عنه العقلاء .
يقول ابن عقيل :
( وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة ؛
فإنه أنبل لقدره ، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق .
قال الشافعي رضي الله عنه :
ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني ،
ولا ردَّها إلا سقط في عيني ) .
[size=21]
[size=16]يتبع ../[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [/size]