الكاتب: محمد علي فضل الله
في واقعنا الأسري القائم في مجتمعاتنا
وأعرافنا التقليدية تتحكم بعض الأساليب التي أصبحت واقعاً حياتياً معيشاً
يحكم أسلوب التعامل ب ين الرجل والمرأة، أو بين الأبوين والأبناء، ويطبع
العلاقة بينهما بطابعه.. فنلاحظ مثلاً تحكم أسلوب العنف الذي تطبع به
المجتمع العائلي فغدا يمثل عرفاً حتى غدا طبيعياً نحاول إعطاءه تبريراً
منطقياً حين نمارسه بدعوى كونه نهجاً تربوياً يعمل على تطبيع المرأة
وأسلوبها بما يتناسب مع تطلعاتنا للبيت الزوجي، أو تطبيع الأبناء بطابع
حياتي معين لتحقيق حالة الاستقرار داخل إطار الأسرة من خلال الالتزام
بمنهج تعاملي مطلوب، والتناهي عن ممارسة أساليب حياتية اجتماعية أو فردية
مخصوصة.
فنلجأ ـ مثلاً ـ من أجل فرض واقع انضباط المرأة ـ تجاه زوجها ـ
لتنضبط عملياً بشكل حاسم في تحقيق رغباته ومختلف حاجاته ومطالبه، إلى
التعامل معها بأسلوب العنف المتمثل بالسب والشتم والإعراض والطرد والضرب
وما إلى ذلك من وسائل الضغط التي يملكها الرجل. كما نلجأ لمثل هذا الأسلوب
في التعامل مع الأبناء في مثل هذه الحالات، بل أصبحنا نلحظ تحكم هذا
الأسلوب في واقع هذه العلاقة لدى بعض من يدعي الالتزام بالاسلام كمنهج
وخط، وهذا يعطي الموضوع بعداً سلبياً آخر.
وهنا نتساءل ما هو نصيب هذا الاسلوب من الواقعية والمنهجية؟
أو
ما هو الأسلوب الذي يفرضه الواقع التربوي المطلوب اعتماده لتحقيق سلامة
الحياة المنزلية، وضبط النهج الحياتي العائلي؟ بل ما هي طريقة الاسلام
التربوية لتحقيق الهدف الحياتي الذي تفرضه المصلحة العائلية؟
لو حاولنا استكشاف المنهج الاسلامي في هذا الواقع لرأينا أن الاسلام حين قوم الواقع العائلي وشرع له، نظر إليه من جانبين:
1 ـ إنسانية كل واحد من أفراد الأسرة دون استثناء.
2
ـ أخلاقية التعامل بين هؤلاء الأفراد، سواء في إطار نظرة رب البيت لمن
يعول، أو في إطار نظرة هؤلاء نحوه، وطريقة تعاملهم معه، فحاول أن يرسم
خطوطاً للتعامل تراعي إنسانية الانسان فيهم وأخلاقية العلاقة التي تقوم
بينهم عاطفياً وسلوكياً، من جهة أخرى.
رعاية متبادلة:
فقد شجع
الاسلام كل واحد من الأفراد أن يشعر بالمسؤولية تجاه الأفراد الآخرين داخل
الإطار المنزلي، من خلال إمكاناته وطاقاته، ليمارس جور الرعاية التي
افترضها الاسلام في كل مسلم تجاه غيره من المسلمين، كما جاء عن رسول الله
(ص): ((ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع
وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة
راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم في الوقت ذاته رسم الاسلام
حدوداً للتعامل وإطار للتعايش بالمعروف ـ ولا سيما في العلاقة الزوجية ـ
(... وعاشروهن بالمعروف...) النساء/ 19، إن هذا يعطي صورة العلاقة التي
يرسمها الله سبحانه ويريد لها أن تتحرك داخل البيت، وتحدد منهج الرجل الذي
يمسك بحق القوامة على المرأة والولاية على الأبناء، في مجال التحرك لحفظ
الواقع ضمن إطار الرعاية (الأخلاقية) المتوازنة البعيدة عن كل افتئات على
حق هؤلاء في العيش بحرية وكرامة وسلامة، في ذات الوقت الذي يبادلونه فيه
ذلك برعاية حقه واحترام وجوده وقراراته التي يحدد من خلالها إطار التحرك
لها التجمع الانساني الصغير .